
بقلم: نورهان التمادي
في عصرٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة، ويزداد فيه التنافس وضغط المتطلبات، بات القلق رفيقًا يوميًا لكثير من الناس. ذلك الشعور الغامض الذي يُقبض له الصدر وتضطرب معه الأفكار، أصبح مرض العصر بامتياز. لكنّ الإسلام لم يترك النفس البشرية تواجه اضطراباتها وحدها، بل رسم لها طريق الطمأنينة، وفتح أبواب السكينة من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية.
القلق… تعريفه وأسبابه
القلق هو شعور نفسي ينتج عن الخوف من المجهول أو توقع الأسوأ. وقد يكون نافعًا إذا دفع الإنسان للاستعداد، لكنه يصبح مَرَضيًا إذا عطل التفكير، وسرق الطمأنينة، وأضعف الجسد.
يقول الله تعالى:
“إن الإنسان خُلق هلوعاً، إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً” (المعارج: 19-21)،
في وصف دقيق للطبيعة البشرية القلقة، حين تُبتلى أو تُخشى على ما تحب.
القلق في ضوء الإيمان
الإيمان بالله يُخفف وطأة القلق، ويمنح النفس يقينًا بأن ما أصابها لم يكن ليخطئها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير… وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن” (رواه مسلم).
فالمؤمن ينظر إلى كل أمر من منظار الخير، مما يبدد الخوف ويزرع الأمل.
وفي موضع آخر، يقول الله سبحانه:
“الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب” (الرعد: 28)،
وهي الآية التي جعلها العلماء دواء لكل قلب مضطرب، ونورًا في عتمة القلق.
القلق من المستقبل: بين التوكل والتوهم
الخوف من الغد أحد أكبر أسباب القلق، لكن التوكل على الله هو دواؤه. قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً” (رواه الترمذي).
فالطير لا تملك قوت يومها، لكنها تسعى بثقة ويقين، فتُرزق.
القلق والتعامل مع الابتلاءات
القلق كثيرًا ما ينشأ عند وقوع البلاء أو ترقبه، لكن الصبر والرضا ركيزتان في التعامل معه. قال تعالى:
“ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشّر الصابرين” (البقرة: 155).
والبشارة هنا ليست فقط بثواب الآخرة، بل بالطمأنينة في الدنيا أيضًا.
كيف نواجه القلق؟
- الذكر والدعاء: من أعظم وسائل طرد القلق، كما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
“اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال” (رواه البخاري). - الصلاة: كان النبي إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، لأنها لحظة اتصال بالخالق وتفريغ للهم.
- إحسان الظن بالله: قال تعالى:
“وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم” (البقرة: 216).
وهي دعوة للإيمان بأن كل قدر فيه حكمة ورحمة، حتى وإن خفيت. - التوازن في الحياة: فلا إفراط في الطموح ولا تفريط في الراحة، والاعتدال دواء لكثير من اضطرابات النفس.
خاتمة
القلق شعور إنساني لا يُذم لذاته، لكنه يصبح عبئًا إذا تُرك دون ضابط. ومن رحمة الله أن جعل في دينه ما يعيننا على تجاوز مخاوفنا. فالذكر، والدعاء، والتوكل، والصلاة، ليست فقط عبادات، بل هي دروع واقية للنفس. وبين صفحات القرآن وأحاديث الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، تكمن علاجات للروح القلقة، لكل من أرهقه السؤال: “ماذا لو؟”
دمتم في أمان الله.