
بقلم: نورهان التمادي.
في عالم تتسارع فيه وتيرة التقدم التكنولوجي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياة الفرد اليومية. فمن لحظة استيقاظه حتى لحظة نومه، يُبحر الفرد في محيط من التغريدات والمنشورات والفيديوهات. ورغم ما توفره هذه المنصات من مزايا، فإنها تحمل في طياتها العديد من الآثار على حياة الفرد والمجتمع، بعضها إيجابي وبعضها الآخر سلبي، يستدعي وقفة تأمل. وفي ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية، تتجلى لنا أبعاد هذه الظاهرة بوضوح أكبر.
أولًا: الفرد بين الاتصال والعزلة
في الظاهر، قربت وسائل التواصل الناس من بعضهم، لكنها في الحقيقة قد تسلب الفرد خلوته بنفسه، وتُشعره بالعزلة النفسية رغم كثرة العلاقات السطحية. هذا التناقض له أثر واضح على الصحة النفسية، خاصة عند الانشغال المفرط بها.
وقد جاء في القرآن الكريم:
{يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} [المنافقون: 9].
فإذا كان الانشغال بالأموال والأبناء مرفوضًا إن ألهى عن الذكر، فما بالنا بانشغال الساعات على الشاشات بلا فائدة تُذكر؟
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ” [رواه البخاري].
والسوشيال ميديا تستهلك الفراغ والصحة النفسية معًا إن لم يُحسن استخدامها.
ثانيًا: تشكيل الرأي العام… نعمة قد تُستخدم نقمة
وسائل التواصل منحت الجميع منبرًا حرًا، وهو ما يمكن توجيهه لنشر الوعي والخير. لكن في المقابل، انتشرت الشائعات والأكاذيب. وهنا يحذر القرآن من ترويج الأخبار دون تحقق:
{يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [الحجرات: 6].
أما في السنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع” [رواه مسلم].
وهذا يشمل منشورات يُعاد نشرها دون تحقق أو وعي، مما يؤثر على وعي المجتمع وتماسكه.
ثالثًا: تآكل القيم تحت وطأة الترند
أصبحت “الترندات” معيارًا لتحديد المقبول اجتماعيًا، مما أدى لتراجع بعض القيم الأصيلة. وقد ذمّ الإسلام التقليد الأعمى والانجراف مع الجمهور، فقال تعالى:
{وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا…} [البقرة: 170].
وفي الحديث الشريف:
“لتتبعن سنن من كان قبلكم…” [رواه البخاري ومسلم]، أي أن الناس في آخر الزمان قد يتبعون كل جديد دون تمييز، وهو ما نراه اليوم في التقليد الأعمى للمؤثرين.
رابعًا: الاستخدام الإيجابي… الدعوة والتوعية
لكن الإنصاف يقتضي الاعتراف بأن هذه الوسائل قد تكون بابًا للخير، إذا استُخدمت للدعوة إلى الله، ونشر العلم، وربط الناس بالقيم. وقد قال الله تعالى:
{ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين} [فصلت: 33].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
“بلغوا عني ولو آية” [رواه البخاري]،
وهذا يشمل نشر الخير بكل وسيلة متاحة، ومنها الوسائل الحديثة.
الخاتمة: مسؤولية أمام الله
السوشيال ميديا سلاح ذو حدين، واستخدامها يجب أن يكون بضوابط شرعية وأخلاقية. قال الله تعالى:
{وقفوهم إنهم مسؤولون} [الصافات: 24]،
وسنُسأل عن أعمارنا، وأوقاتنا، وكيف قضيناها، بما في ذلك ما نكتبه أو ننشره في العالم الرقمي.
لذا، من الواجب أن نُعيد ضبط علاقتنا بهذه الوسائل، فنستخدمها بإيجابية ووعي، ولا نسمح لها بالتحكم فينا، بل نجعلها أداة لخدمة قيمنا، لا لتذويبها.
دمتم في أمان الله .