
بقلم: نورهان التمادي
في عالمٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتتراكم الضغوط النفسية، أصبحت الصحة النفسية من القضايا الجوهرية التي لا ينبغي تجاهلها. وبينما يعاني كثيرون من مشاعر الحزن، يظهر الاكتئاب كوجهٍ أعمق وأكثر تعقيدًا، لا يمكن اختزاله في مجرد تقلبات مزاجية. فما الفرق بين الحزن والاكتئاب؟ وكيف عالج الإسلام هذه الحالات؟
الفـرق الجـوهري: الاكتئاب ليس مجرد حزن
يُعد الحزن شعورًا طبيعيًا يمر به الإنسان نتيجة فقدان أو خيبة أو موقف مؤلم، وهو حالة مؤقتة، أما الاكتئاب فهو اضطراب نفسي طويل الأمد، يُحدث تغيرات في التفكير والسلوك والنوم والشهية، ويصل أحيانًا إلى فقدان الرغبة في الحياة.
قال الله تعالى في وصف الحزن الطبيعي:
“وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” [آل عمران: 1 خخخخ39]فهنا يُخاطَب المؤمن في حالة الحزن العابرة، لا في اضطراب مرضي مزمن.
الاكتئاب في ضوء القرآن: بين الصبر والرجاء
لم يستخدم القرآن الكريم مصطلح “الاكتئاب” بشكل مباشر، لكنه وصف حالات مشابهة بألفاظ مثل “الضيق” و”الهم” و”الكرب”، كما في حال نبي الله يعقوب عندما حزن لفقدان ابنه يوسف، فقال:
“إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ” [يوسف: 86]لكن يعقوب عليه السلام رغم الحزن، لم يفقد الأمل، بل بقي متصلًا بالله، وهو ما يميز الحزن عن الاكتئاب الذي غالبًا ما يرافقه انقطاع عن المحيط وفقدان للأمل.
السنة النبوية: الرسول والهمّ والحزن
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ من الحزن والهم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
“كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن…” [رواه البخاري]ففي هذا الدعاء إشارة واضحة إلى خطورة تراكم المشاعر السلبية، والتي قد تتحول من حزن طبيعي إلى حالة مرضية تعيق الإنسان عن أداء واجباته.
الإسلام والصحة النفسية: التوازن والرحمة
الإسلام لم يُنكر المشاعر، بل اعترف بها ووجّهها، ومنح الإنسان أدوات للتعافي مثل: الذكر، الصلاة، الدعاء، الصبر، ومجتمع متراحم. يقول تعالى:
“الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” [الرعد: 28]فالطمأنينة هنا ليست فقط روحانية، بل علاج نفسي أيضًا.
ختامًا: الاعتراف بالاكتئاب ليس ضعفًا
علينا كمسلمين أن نميّز بين الحزن الطبيعي الذي قد يصيب أي شخص، وبين الاكتئاب الذي يستوجب دعمًا نفسيًا وعلاجًا طبيًا. وقد علّمنا الإسلام أن نكون رحماء بأنفسنا وبمن حولنا، وأن لا نخجل من طلب المساعدة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال:
“تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له دواء…” [رواه أحمد]
دمتم في أمان الله.