
بقلم: محمد جابر
نعيش مأساة فكرية تتجاوز حدود الزمكان تتماهي الحقائق مع الأوهام فأي واقع نحياه إنها ليست مجرد أزمة آنية بل بنية عميقة وممتدة تتغلغل الدروب المعتمة من الوعي الإنساني وتشكل متاهة فكرية. لم تعد محض تأملات فلسفية بل تحولت إلى أدوات لصناعة الوهم والزيف وباتت تشكل الأرضية الخصبة لأخطر أنواع الغسيل العقلي الذي عرفته البشرية.
لقد أصبحت دروب العقل تيها بل مصانع ذهنية تنتج وهن معرفي مغلف بذهان عقلي يغلف العقول ويفصل الإنسان عن واقعه.أشبه بمخدر عقلي وما ذاد المشهد تعقيدا هو مشاركة الذكاء الاصطناعي حياتيا لا بصفته أداة للمعرفة بل كنسق مؤدلج يخدم ذات المنظومة القديمة، ويعيد إنتاجها بصورة أكثر سطوة وخفاء.
فالتكنولوجيا التي كان يفترض أن توسع الأفق الإنساني أصبحت في كثير من الأحيان شريكا في هندسة الخوف ووسيطا لتمرير هيمنه أيديولوجية لتسويق محتوى موجه بدقة وتصميم خوارزميات تسهم في تكريس فكر واحد وإقصاء الآخر وتقسيم المجتمع إلى فقاعات فكرية مغلقة وبذلك تستكمل حلقة السيطرة من هيمنه ذات محدودية إلى آليات التقنية المفتوحة التي تدعي الحياد رغم كونها ابعد ما يكون من ذلك
وعلية إن السبيل إلى التحرر من فضاء مخادع هو أستعادة الحق في التفكير خارج القوالب المعدة مسبقا والاعتراف بوجود هذه الأزمة ومن ثم تفكيكها وتحدي منطقها وخلق مساحات للتفكير النقدي والمساءلة.
إننا بحاجة إلى ثورة معرفية تبدأ من الذات وتنتهي بمؤسسات ترفض الاستكانة لما هو سائد وتعيد الاعتبار للشك والبحث والتعددية فالعصر الحديث لا يحتاج إلى مذيد من التكلس بل إلى فضاءات فكرية حرة قادرة على استيعاب الاختلاف واحتضان الأسئلة وتحفيز الإبداع.
أن أخطر ما يمكن أن نواجهه اليوم ليس الجهل بل تلك المعرفة المعلبة التي تفرض علينا تحت مسميات الحداثة والتقدم بينما هي في جوهرها استمرار لعنف رمزي قديم يرتدي قناعا رقميا جديدا.