امال سالم
لازلت أذكر حين كنت صغيرة جداً ..أمشي بجانب أبي ..يضم يدي بكفه الحنون ..فأشعر أنه لن يصيبني ضر أبداً..
و لا زلت أذكر ..حين كنت أجري بجانبه يسندني بتلك الكف خوفاً من وقوعي.. فإذا وقعت ربت بها على كتفي حتى لا أبكي..و يحملني لأقف و أحاول من جديد ..
تمر السنين و أكبر قليلاً ..فيجلسني أبي على يد مقعده في الشتاء .. أو يجالسني في الشرفه صيفا .. يحكي لي عن بطولاته وحبه لبلده ويأتي لي بشهادات تقدير منحتها له جهات متعدده عن اخلاصه ونجاحاته ووطنيته٠٠٠ يناقشني… و يسألني عن الروايات التي أقرأ.. و يلفت نظري إلى الجمال من حولي..في لمعان النجوم و سعة السماء .. في معانى القرآن ..وينصحني بكثره الصلاه علي الرسول حتي أراه في المنام مثله فكنت اغبطه لكثره رؤيته للرسول كان ابي يحب سماع صوتي كنت أشعر وانا معه اني أعذب الناس صوتا وأحسن الناس خلقا وأجملهم رسما
وكنت أظن أنه سيصير رئيسا للجمهورية
من كثر إعجابي به وكثره علاقاته بالكثير
من الشخصيات المرموقه وبمدرسيني
ولا زلت أذكر كيف كان يدللني حتى في سنوات الجامعة .. فيفاجئني بأبيات فيها إسمي من شعر
أما في يوم زواجي ..فقد أخذ يدي في ذلك الكف القوي الحنون.. ليضعها في يد زوجي باكيا.. و هامسا في أذني : ” أنا دائما هنا ” ..
و صدق أبي ..فقد ظل طوال عمره موجودا كما وعد.. فكان بعد الله ملجأي و ملاذي.. و ناصح لي إن أصابني حزن في البيت أو هم في العمل..
مرت السنون ..و كبر أبي و غلبه المرض .. و أصبح يضعف يوماً بعد يوم ..و أصبحت انا من يأخذ كفه في يدي.. أنظر اليه حبا .. و أذوب حنانا..
ظللت أتأمل أبى في آخر سنوات عمره .. و أراه في شدة ضعفه.. و هو لا يقوى حتى على المشي أو القيام وحده .. يصر على الصيام و قيام الليل ..و يرفع كفيه الضعيفتين الى السماء داعياً لنا .. أن يسعدنا الله و يصلح أحوالنا..
لطالما قلت لأبي أنني أغبطه و أتمنى أن أكون مثله .. فقد كنت أغبطه على صبره على العبادة رغم آلامه و مرضه..أغبطه و أنا أرى ذلك الكف الذي هده المرض…. و لا يزال مصرا أن يقلب بكفه المرتعشة . صفحات المصحف صابرا و مثابرا..
علمني أبى حقيقي كيف يكون الأب .. كيف يكون قريبا من أولاده..يحتويهم و يفهمهم .. و كيف يكون واسع الأفق..يشارك أولاده ضحكاتهم و آلامهم .. و يساعدهم في تحقيق طموحاتهم و آمالهم ..
علمني أبي كيف يكون الأب مربيا بغير قسوة .. و مدللا بغير إفساد .. فاجتهدت أن أعلم ذلك أولادي و تلاميذى.. حتى يكونوا آباءا و أزواجا صالحين..حنونين في غير ضعف..أقوياء في غير شدة..
و الآن..و حتى بعد مرور سنوات على وفاة أبى.. لا زلت كلما ضاقت بي الدنيا .. لجأت إلى الله أدعوه .. و تذكرت أبي باكية .. و كأني ما زلت تلك الطفلة .. أفتقد تلك الكف الحانية ..كف أبي.. التي طالما مسحت دموعي و ربتت على كتفي .. فأنستني همى و حزني.
اللهم ارحم أبى و أمى كما ربياني صغيرة.. و اغفر لي تقصيري في حقهما.. و أجمعنى اللهم بهم و بأحبائنا جميعاً في الفردوس الأعلى..
اللهم آمين