توقعات وسيناريوهات كثيرة تولد مع تطورات الحرب فى غزة، فى ظل التعثر الذى واجهته مفاوضات وقف الحرب، بسبب تعنت بنيامين نتنياهو والمتطرفين فى حكومته، لدرجة أنه يهدد الولايات المتحدة، ويطلق خطابا دعائيا يزعم فيه أنه يمكنه مواصلة الحرب بمفرده ومن دون الولايات المتحدة، وهو خطاب يعرف هو وكل مراقب أنه مجرد خطاب دعائى، وأن إسرائيل لا يمكنها مواصلة العيش وحدها ليوم واحد من دون جسور الولايات المتحدة،
وأن الاقتصاد الإسرائيلى لم يكن يمكنه الصمود لأكثر من عشرة أيام فى أفضل الأحوال، بل إن تقارير روسية أشارت إلى أنه حتى تهديد البيت الأبيض بوقف شحنات سلاح هو تهديد أجوف، وأن «بايدن» يعلن ذلك لإرضاء الناخبين، بينما الواقع أن ما يتم منعه فى العلن، يتم إرساله فى السر وعبر قنوات خلفية، خاصة أنه لا توجد أى طرق لمعرفة سير السلاح من الولايات المتحدة لتل أبيب.
جاءت تصريحات الرئيس الأمريكى جو بايدن، بمنع إرسال أسلحة محددة لإسرائيل، بناء على طلب من أعضاء الكونجرس من الحزب الديمقراطى، لكون إسرائيل تخالف القانون الأمريكى بمنع دخول المساعدات، اللافت أن وزير الأمن الإسرائيلى بن جفير اتهم الرئيس جو بايدن بأنه يدعم حماس، وهو نوع من الدعاية ورسالة إلى المتطرفين فى الولايات المتحدة واللوبى الصهيونى، للضغط على الإدارة الأمريكية، وبالتالى فإن رد فعل بن جفير أو نتنياهو، هو مجرد دعاية سياسية، وحتى تهديدات بايدن نفسها لا تعدو عن كونها دعاية انتخابية، خاصة أن اتجاهات واراء المسؤولين الأمريكيين تدعم عمليات إسرائيل فى رفح، بشرط عدم القيام بعملية شاملة، كما أن الولايات المتحدة تعطل أى قرار لوقف إطلاق النار.
وبالتالى لا يمكن التعويل على مواقف أمريكية أو أوروبية لإنهاء الحرب، وربما يكون أكبر مكسب للقضية الفلسطينية هو أنها أصبحت فى واجهة اهتمام العالم والمجتمع الدولى، وهو مكسب مدفوع فيه ثمن باهظ، يفترض أن تلتفت إليه الفصائل الفلسطينية، وهو ما تحرص مصر على تأكيده لدى الفصائل، بالدفع نحو توحيد الفلسطينيين، ليكونوا جاهزين للتعامل مع العالم ما بعد وقف الحرب، وهو أمر سوف يحدث فى كل الأحوال، وطبيعى أن تكون لكل طرف من الأطراف حساباته فى الضغط للوصول إلى أكبر قدر من المكاسب، بشرط أن يستخدم أوراقه فى وقتها المناسب، وإلا تكون بلا قيمة، حيث تمثل ورقة المحتجزين إحدى أوراق التفاوض، لكنها تتراجع وتتقدم على مدار الأسابيع المتوالية، كما أنها أيضا تمثل ورقة إحراج لنتنياهو تدفعه للتوسع فى الانتقام.
نتنياهو أصابه الغرور، ويراهن رهانه الأخير فى رفح، لكنه رهان محفوف بمخاطر، خاصة إذا فشل فى تحقيق هدف استعادة المحتجزين بالحرب، أو القضاء على قيادات المقاومة، وهى أهداف فشل فى تحقيقها منذ 7 أكتوبر، ولم تنجح إلا عمليات التبادل فى الهدنة الأولى التى نجحت مصر فى عقدها، وبالتالى فإن مصر تقدم مخرجا لكل الأطراف، بالرغم من مسؤوليتها عن القضية الفلسطينية، إلا أنها تدرك مفاتيح التفاوض، ومدى ما يمكن أن يتم الوصول إليه.
بالعودة إلى القادم، فإن على الفلسطينيين أن يعبروا تناقضاتهم، ويسيروا نحو الدولة، ولا شك أن تصويت 143 دولة لصالح قرار منح فلسطين العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة، يعكس زخما دوليا ورغبة فى إقامة دولة فلسطينية مستقلة تنهى الصراع، وبالتالى يمكن البناء على توصية الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولى بإعادة النظر فى عضوية فلسطين، واستثمار الدول العربية للدعم الدولى، والدفع نحو «حل الدولتين» الذى تدعمه مصر، ويحرص الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كل مناسبة على تأكيد ضرورة إقامة دولة فلسطينية، وأنها أساس الاستقرار والأمن والسلام فى منطقة الشرق الأوسط.
وبالتالى، فإن هناك فرصة لاستغلال الزخم العالمى، لبناء سياقات تنهى جولات الحرب والدمار، إلى مسارات سياسية تتطلب ذهاب الفلسطينيين معا.